الثلاثاء، 14 أغسطس 2012

هل المسيح إله قد تأنس أم إنسان قد تألَّه؟





هل المسيح إله قد تأنس أم إنسان قد تألَّه؟


ما هو معنى التجسد الإلهي؟ وكيف نؤمن بيسوع المسيح إلها؟.. وهل نحن بذلك نجعل من الإنسان إلها؟

(أولا) هذا سؤال مهم نشكرك عليه، وإجابته هي المدخل الصحيح لفهم الإيمان المسيحي.. فنحن نؤمن بأن المسيح باعتباره أنه هو ’ابن الله‘ أو ’الله الظاهر في الجسد‘، لسنا بذلك نؤمن بأن الإنسان قد صار إلها، بل نؤمن بالإله وقد تأنس، وهذا فرق مهم وأساسي جدا في الإيمان المسيحي.. مشكلة البعض أنهم يقولون عنا إننا ’نؤلِّه الإنسان يسوع المسيح‘ أو ’نتخذ منه إلها‘، لكن الحقيقة هي أننا ’ نحن لا نؤلِّه الإنسان يسوع المسيح‘!!..
إنما نحن نؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله الوحيد، الذي هو إله بالطبيعة منذ الأزل بولادته من الآب، وأنه من أجلنا ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء متأنسا (أو تجسد وتأنس من الروح القدس ومريم العذراء وصار إنسانا).. هو نفسه ’ابن الله الأزلي‘ صار إنسانا حينما تجسد.. يوجد فرق جوهري إذن بين أن نقول إن الله صار إنسانا وبين أن نقول إن الإنسان صار إلها.. فالإنسان يستحيل أن يصير إلها، لكن الإله القادر على كل شيء ’بإمكانه‘ أن يصير إنسانا!..
(ثانيا) معنى عبارة ’صار إنسانا‘
لتبسيط الفكرة للأفهام، نفترض أن ملكا من الملوك أو رئيسا من الرؤساء – مثلا – قد صار ضابطا في جيشه، فهل يكون قد فقد مُلكه أو رئاسته؟ بالطبع لا يكون قد فقد ملكه.. أو لو أن رئيسا قد صار ضابطا قائدا أعلى لجيش بلاده، فهل يكون قد فقد رئاسته؟ بالطبع لا.. هل يكون قد تحول من ملك أو رئيس إلى مجرد ضابط؟ بالطبع لا.. ’لم يتحول‘.. فكلمة ’صار‘ هنا ليس معناها ’تحوَّل‘، وعبارة ”الكلمة صار جسدا“ لا تعني أن اللاهوت قد تحوَّل إلى جسد، لكن الكلمة ’صار‘ هنا تعني أنه قد اتخذ صفة الإنسان – لكنه اتخذها حقيقة وليس تظاهرا.. ”إِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَان“ (فيلبي 2: 8).
ولو أن طبيبا صار ضابطا في الجيش، فهل يكون قد فقد إمكانية أن يعالج المرضى؟ طبعا لا، فهو يصير طبيبا في الجيش.. فإذا قلنا إن ’الطبيب فلان‘ صار هو ’العقيد فلان‘، فما هي المشكلة؟ إنه لا يزال طبيبا كما هو، ولم يحدث له تغيير في صفته وإمكانياته كطبيب، وليس معنى كلمة ’صار‘ هنا أنه قد تغير عن طبيعته الأصلية، ولكن يمكننا القول عنه إنه هو العقيد طبيب فلان! أو الطبيب العقيد فلان! لا توجد مشكلة في ذلك، فهو هو نفسه وليس آخر، ودون أن يتغير في طبيعته.. هذا مجرد تشبيه أو مثال لتقريب الفكرة إلى الأذهان.. الإله صار إنسانا، أو ”الكلمة صار جسدا“ أو ”الله ظهر في الجسد“..
(ثالثا) بين لقب ابن الله ولقب ابن الإنسان:
من الأمور الملفتة ذات الدلالة، أن السيد المسيح كان يستخدم ’لقبه الإلهي‘ حين كان يتكلم عن إنسانيته، ويستخدم ”لقبه الإنساني“ عندما كان يتكلم عن ألوهيته! لكي يؤكد حقيقة أن ابن الإنسان هو نفسه ابن الله..
  • فعندما كان يتحدث عن أمر يتعلق بألوهته فيقول – مثلا – ”لَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ“ (يو3:13)، فما هذه العبارة ”هو في السماء“؟ إنها بحسب لاهوته.. فلا نجده يقول ’ابن الله الذي هو في السماء‘، فحقيقة كون ’ابن الله‘ في السماء تعتبر أمرا عاديا ومفهوما، لكننا نجده يقول: ”ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ“!!..  
  • ومن الناحية الأخرى كان السيد المسيح يستخدم لقبه الإلهي عندما يحدث كلام عن ’إنسانيته‘.. فيقول مثلا: ”إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضاً“ (وقد ورد هذا التعبير بنفس النص في الأناجيل الثلاثة متى12: 8 ؛ مرقس2: 28 ؛ لوقا6: 5)، وهنا نلاحظ أنه لم يقل إن ’ابن الله‘ هو رب السبت، لكنه قال ذلك عن ’ابن الإنسان‘!!.. 
وأيضا نجده يقول: ”وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ“ (مت  25 :  31) ويقول: ”لأَنَّ مَنِ اسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي فَبِهَذَا يَسْتَحِي ابْنُ الإِنْسَانِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِهِ وَمَجْدِ الآبِ وَالْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ“ (لو  9 :  26)؛ فنلاحظ هنا أن النص الإنجيلي لم يقل: متى جاء ’ابن الله‘ في مجده، بل قال ”مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ“، لكي يؤكد أن ذلك ”الآتي في مجد أبيه“، والذي يسميه هنا ’ابن الإنسان‘، هو هو نفس الشخص، وأن ’ابن الإنسان‘ هو هو نفسه ’ابن الله‘ وليس شخصا آخر!! (عبارة ’مجد أبيه‘ تفيد أنه هو ابن ’الآب‘، فيكون المفهوم أن لقبه الأصلي هو ’ابن الله‘، وكلمة أبيه هنا تعني أن ذلك الآتي هو ’ابن الله‘)..
وهكذا أيضا وبنفس المفهوم نجد بولس الرسول يقول: ”لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ“ (كورنثوس الأولى2: 8).. فنجد هنا أيضا اللقب الإلهي ’رب المجد‘ مستخدما في أمر يخص إنسانيته.
[ إنه كما في مثال الطبيب الذي صار ضابطا.. المغزى هو التأكيد على أن الطبيب الذي صار ضابطا بالجيش هو نفس الشخص وليس شخصان.. فيمكننا القول إن ’العقيد فلان‘ قد أجرى العملية الجراحية لأحد الضباط زملائه، كما يمكننا القول إن ’الطبيب فلان‘ قد قاد كتيبة ما من الجيش، فإننا بذلك نقصد التأكيد على حقيقة أن هذا الضابط هو طبيب وأن هذا الطبيب هو ضابط، لأنه من غير المعقول أن يكون الطبيب قائدا لكتيبة بالجيش ما لم يكن ضابطا في نفس الوقت ]
** هذه أول نقطة في الإيمان.. ننادي ونقول: إن يسوع المسيح ليس إنسانا قد صار إلها، لكنه إله قد ظهر في الجسد.. تأنس.. صار إنسانا.. وبظهوره في الجسد لم يتغير عن كونه هو الله!..


0 التعليقات:

إرسال تعليق

.

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More